ومن سنة الله عزَّ وجلَّ في إرسال الرسل بعث كل رسول من قومه وبلسانهم؛ تأليفاً لقلوب الذين لم تفسد فطرهم، وتيسيراً على البشر في التفاهم والتعارف، وإن كان الذي فسدت فطرهم يعجبون من هذه السنة فلا يستجيبون، ويستكبرون أن يؤمنوا لبشر مثلهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)} [إبراهيم: ٤].
ويطلبون أن تبلغهم الملائكة، وإن هي إلا تعلة، وما كانوا ليستجيبوا إلى الهدى مهما جاءهم من أي طريق.
أرسل الله تبارك وتعالى نوحاً إلى قومه كما قال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)} [الأعراف: ٥٩].
فكيف كان استقبال المنحرفين الضالين من قوم نوح لهذه الدعوة إلى التوحيد وماذا قالوا له؟ {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠)} [الأعراف: ٦٠].
دعاهم نوح - صلى الله عليه وسلم - إلى عبادة الله وحده، وإقامة منهج الله في الحياة، ليكون السلطان كله لله في حياة الناس كلها، قال لهم ذلك، وأنذرهم عاقبة التكذيب بها في إشفاق الأخ الناصح لإخوانه، ولكنهم رموا الداعي إلى الحق المبين بالضلال المبين، وهكذا يبلغ الضال من الضلال أن يحسب أن من يدعوه إلى