الهدى هو الضال، هكذا تنقلب الموازين، ويحكم الهوى، ويضل العباد بسبب إغواء الشيطان، وغياب دعوة الرسل، وغلبة حب الدنيا على الناس.
فماذا تقول الجاهلية اليوم عن المهتدين بهدي الله؟
إنها تسميهم الضالين، وتعد من يسقط منهم في الوحل والمستنقع الكريه بالرضا والقبول.
وماذا تقول الجاهلية اليوم للفتاة التي لا تكشف عن لحمها؟
وماذا تقول للفتى الذي يستقذر اللحم الرخيص؟
إنها تسمي ذلك كله تخلفاً وجموداً.
وماذا تقول الجاهلية لمن يترفع عن جنون اللعب، والفن، والحفلات الفارغة والملاهي؟
إنها تقول إنه جامد، مغلق على نفسه، وتنقصه المرونة والثقافة، وتحاول أن تجره إلى الوحل الساقط الهابط مع البهائم.
وينفي نوح عن نفسه الضلال، ويكشف لقومه عن حقيقة دعوته، فهو لم يبتدعها من أوهامه وأهوائه، إنما هو رسول رب العالمين، يحمل لهم الرسالة، ومعها النصح والأمانة، ويعلم من الله ما لا يعلمون: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١)} [الأعراف: ٦١].
وأرسلت إليكم: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢)} [الأعراف: ٦٢].
وقد عجب هؤلاء الملأ أن يختار الله رسولاً من البشر من بينهم، ويحمله رسالة إلى قومه، وما من عجب في هذا الاختيار؟
فإذا اختار الله من البشر رسولاً، فالله أعلم حيث يجعل رسالته، فيتلقى هذا المختار عنه الحق، ويبلغه إلى خلقه ليسعدوا ويفلحوا فما العجب في ذلك؟
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣)} [الأعراف: ٦٣].