إن الفطرة حين تبلغ حداً معيناً من الفساد لا تتفكر ولا تتدبر، ولا تتذكر ولا تستجيب، ولا ينفع معها الإنذار ولا التذكير، وحينئذ تتحقق سنة الله في المكذبين المعرضين: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)} [الأعراف: ٦٤].
فبعماهم هذا كذبوا، وبعماهم لاقوا هذا المصير، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وتمضي عجلة الزمن، وتتابع الأيام، فإذا نحن أمام عاد قوم هود، وقوم عاد من ذرية نوح والذين نجوا معه في السفينة، وكانوا يعبدون الله وحده.
فلما طال عليهم الأمد، وتفرقوا في الأرض، ولعب معهم الشيطان لعبة الغواية، وقادهم من شهواتهم وفق الهوى لا وفق شريعة الله، عاد قوم هود إلى الجاهلية مرة أخرى.
يستنكرون أن يدعوهم نبيهم إلى عبادة الله وحده من جديد كما قال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥)} [الأعراف: ٦٥].
وقبيلة عاد كانوا بالأحقاف، وهي كثبان رملية على حدود اليمن، وقد أضلهم الشيطان كما أضل قوم نوح، فاغتروا بقوتهم ودنياهم واستكبروا في الأرض كما قال الله عنهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥)} [فصلت: ١٥].
ولم يتدبروا، ولم يتذكروا، ما حل بقوم نوح - صلى الله عليه وسلم - من الغرق والهلاك.
وحذرهم نبيهم هود - صلى الله عليه وسلم - عافبة كفرهم.
وكأنما كبر على الملأ الكبراء من قومه أن يدعوهم واحد من قومهم إلى الهدى، وأن يستنكر منهم قلة التقوى، فراحوا يتهمونه بالسفاهة والكذب جميعاً في غير تحرج ولا حياد: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦)} [الأعراف: ٦٦].