فكشف لهم هود عن نفسه، وبين لهم العمل الذي أرسل به: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)} [الأعراف: ٦٧، ٦٨].
وكلما جاء رسول ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم تعجب البشر من اختيار الله له من البشر.
وقد عجب قوم عاد من اختيار الله لهود - صلى الله عليه وسلم - نبياً لهم، كما عجب قوم نوح - صلى الله عليه وسلم - من قبل، فإذا هود - صلى الله عليه وسلم - يكرر لهم ما قاله نوح لقومه من قبل:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ}[الأعراف: ٦٩].
ثم ذكرهم هود - صلى الله عليه وسلم - بنعمة الله عليهم من استخلافهم في الأرض من بعد قوم نوح - صلى الله عليه وسلم -، وأعطاهم قوة في الأجسام، وقوة في السلطان والسيطرة فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)} [الأعراف: ٦٩].
ونعمة هذا الاستخلاف، وهذه القوة والبسطة، تستوجب شكر النعمة، والحذر من البطر والكفر، واتقاء مصير المجرمين الغابرين.
ولكن الفكرة حين تنحرف لا تتفكر ولا تتدبر، ولا تتذكر، وهكذا أخذت الملأ العزة بالإثم، واختصروا الجدل، واستعجلوا العذاب استعجال من يستثقل النصح، ويهزأ بالإيمان والإنذار، فماذا قالوا لنبيهم هود: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)} [الأعراف: ٧٠].
وهكذا استعجل القوم العذاب فراراً من مواجهة الحق، واتباعاً للهوى والشهوات، ومن ثم كان الجواب حاسماً وسريعاً، فأرسل الله عليهم الريح العقيم، التي تدمر كل شيء بأمر ربها، وبلغهم نوح عاقبة تكذيبهم:{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}[الأعراف: ٧١].
وجاءهم العذاب صريحاً بالهواء الذي لا يستغني عنه أحد كما جاء العذاب قوم