هداهم الله إليه، ولا يقعدون لهم بكل صراط مهددين لهم، وأن ينتظروا حكم الله بين الفريقين، إن كانوا هم لا يريدون الإيمان كما قال شعيب - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٧)} [الأعراف: ٨٧].
لقد دعا شعيب قومه إلى أعدل خطة، ووقف عند آخر نقطة، لا يملك أن يتراجع عنها خطوة، وهي الانتظار والتعايش بغير أذى، وترك كل وما اعتنق من دين.
ولكن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان بالله وجود في الأرض ممثل في جماعة من الناس لا تدين للطاغوت، بل تدين لله.
إن وجود جماعة مسلمة كهذه يهدد سلطان الطواغيت، حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها، وتركت الطواغيت لحكم الله حين يأتي موعده.
إن الطاغوت يفرض المعركة فرضاً على الجماعة المسلمة، إن وجود الحق في ذاته يزعج الباطل، وهذا الوجود ذاته هو الذي يفرض عليه المعركة مع الباطل:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}[الأعراف: ٨٨].
فلما تلقى الملأ المستكبرون عرضه هذا بالتهديد بالإخراج من قريتهم، أو العودة في ملتهم صدع شعيب بالحق مستمسكاً بملته، كارهاً أن يعود في الملة الخاسرة التي أنجاه الله منها، واتجه إلى ربه سبحانه يدعوه ويستنصره: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)} [الأعراف: ٨٨،٨٩].
إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة كبرى مهما لاح فيها من السلامة والأمن، وأي عبودية شر من خضوع الإنسان لما يشرعه له إنسان؟.
وأي عبودية شر من أن يكون للإنسان خطام أو لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان؟ وفوق هذا فإن حكم الطواغيت يكلف الناس أموالهم التي لا يحميها