للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيمة الإيمان التجرد كذلك من الهوى والأغراض والمصالح، إذ يصبح القلب متعلقاً بهدف أبعد من ذاته، ويحس أن ليس له من الأمر شيء، إنما هي دعوة إلى الله، وهو فيها أجير عند الله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧)} [سبأ: ٤٧].

وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة، كي لا يقنط إذا أعرض عنه الشارد أو المعاند من البشر، أو أوذي في الدعوة، ولا يغتر إذا ما استجابت له الأمة، أو دانت له الرقاب، فإنما هو أجير.

ولقد آمنت العصبة الأولى من المسلمين إيماناً كاملاً أثر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم تأثيراً عجيباً، وأثر في غيرهم ممن عاصرهم، وما زال يؤثر فيمن بعدهم، وكانت صورة الإيمان في النفوس البشرية قد بهتت وغمضت حتى فقدت تأثيرها في أخلاق الناس وسلوكهم.

فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنشأ صورة للإيمان حية مؤثرة فاعلة، تصلح بها هذه العصبة للقيادة التي وضعت على عاتقها مسؤولية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠].

فالإيمان الذي تلقته هذه الأمة من نبيها حل جميع عقد الشرك والكفر؛ فانحلت العقد كلها، وجاهدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - جهاده الأول فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي، وانتصر الإسلام على الجاهلية في البداية، فكان النصر حليفه في كل معركة، وقد دخل هؤلاء الصفوة الأخيار في السلم كافة بقلوبهم وأرواحهم وجوارحهم كافة.

لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب: ٣٦].

حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم، بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>