للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشغلهم فقر، ولا يطغيهم غنىً، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم.

أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها أخلاقاً، وأزكاها نفوساً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة شرعه، وإبلاغ دينه.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَلَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ» متفق عليه (١).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم» متفق عليه (٢).

وكان علمهم بالله قبل ذلك باهتاً، وكانوا قبل ذلك يسجدون للأصنام والأوثان، وكانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل، وتنازل عن مملكته لأناس خلع عليهم خلعة الربوبية، فأخذوا بأيديهم أزمة الأمور، وتولوا إدارة المملكة، وتدبير شئونها، وتوزيع أرزاقها، وهكذا زين لهم الشيطان سوء أعمالهم.

فكانت ديانتهم سطحية طافية، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم، ولا تأثير لها في أخلاقهم وسلوكهم.

وكان إيمانهم بالله، وإحالتهم خلق السموات والأرض إلى الله، لا يزيد على جواب تلميذ قيل له: من بنى هذا القصر؟

فيسمي ملكاً من الملوك دون أن يخافه أو يخضع له، فكان دينهم عارياً عن الخشوع لله، ودعائه، وهيبته، وما كانوا يعرفون عن الله ما يولد عظمته في قلوبهم، ولا ما يحببه إليهم، فكانت معرفتهم مبهمة غامضة، قاصرة مجملة، لا تبعث في نفوسهم هيبة، ولا محبة، ولا عبادة.

فانتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٦٧٣) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٥٤١).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٦٥٢) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>