للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عميقة واضحة روحية، ذات سلطان على النفس والروح، والقلب والجوارح، ذات تأثير في الأخلاق والسلوك، وذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها.

آمنوا بالله الذي خلق كل شيء، المالك لكل شيء، وله الخلق والأمر، وعلموا أنه يثيب على الطاعة الجنة، ويعاقب على المعصية بالنار، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وبيده مقاليد الأمور في السماء والأرض.

وظهر منهم من روائع الإيمان واليقين، وقوة الصبر والشجاعة، ما حير العقول، ولا يزال موضع حيرة ودهشة إلى الأبد، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق بالله سبحانه.

وكان هذا الإيمان قوة باعثة، ومدرسة خلقية ونفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية: من صرامة إرادة، وقوة نفس، ومحاسبتها والإنصاف منها، وكان أقوى وازع عرف التاريخ يزجر النفس عن الزلات والسقطات.

فإذا سقط الإنسان سقطة أو زلّ زلة حيث لا تراقبه عين، ولا يعلم به أحد، تحول هذا الإيمان نفساً لوامة، عنيفة، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بجرمه، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة، ويتحملها مرتاحاً مطمئناً؛ تفادياً من سخط الله، وعقوبة الآخرة.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ فقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي زَنَيْتُ، فَأعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: «أبِكَ جُنُونٌ؟». قَالَ: لا، قَالَ: «فَهَلْ أحْصَنْتَ». قَالَ: نَعَمْ، فقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» متفق عليه (١).

وكان هذا الإيمان الذي أكرمهم الله به حارساً لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته، يملك نفسه أمام المطامع والشهوات الجارفة، وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراه أحد، وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحداً.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٨١٥) واللفظ له، ومسلم برقم (١٦٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>