للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد ارتفع الإيمان في قلوب تلك العصبة المؤمنة حتى بلغت في سلوكها وأخلاقها وأعمالها ما تحار فيه العقول، وتأهلت بذلك لقيادة البشرية قيادة غير مسبوقة ولا ملحوقة.

والله سبحانه يعلم ضعف الإنسان، فجعل الحد الذي يصلح به للقيادة والذي ينال معه ما عند الله هو اجتناب كبائر الإثم والفواحش، لا صغائر الآثام والذنوب كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)} [الشورى: ٣٧].

ورحمة الله واسعة، فتسع ما يقع من الإنسان من هذه الصغائر؛ لأنه أعلم بطاقته، وهذا فضل من الله، وسماحة ورحمة بهذا الإنسان، وذلك يوجب الحياء من الله، فالسماحة تخجل، والعفو يثير في القلب الكريم معنى الحياء من العفو.

ومن صفات تلك العصبة المختارة أنهم إذا ما غضبوا يغفرون، وتأتي هذه الصفة بعد الإشارة الخفية إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه، فتحبب في السماحة والمغفرة بين العباد.

والله عزَّ وجلَّ لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها، فهو يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته، وهو ليس شراً كله، فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل مطلوب وفيه الخير.

ومن ثم لا يحرم الغضب لذاته، ولا يجعله خطيئة، ولكنه في الوقت ذاته يدعوه ربه إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذه صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة.

جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أوصني، قال: «لا تَغْضَبْ». فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: «لا تَغْضَبْ» أخرجه البخاري (١).

والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب لنفسه قط، إنما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم


(١) أخرجه البخاري برقم (٦١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>