أما شكل الشورى فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان، فالنظم الإسلامية كلها ليست أشكالاً جامدة، وليست نصوصاً حرفية، إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب، وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والبحث في أشكال الأنظمة والأحكام الإسلامية دون الاهتمام بحقيقة الإيمان الكامنة وراءها لا يؤدي إلى شيء، فلا بدَّ من الإيمان أولاً، والعمل الصحيح ثانياً: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)} [الكهف: ١١٠].
ولا بدَّ للمسلم من الإنفاق فيما يرضي الرب تبارك وتعالى؛ تطهيراً للقلب من الشح، واستعلاء على حب المال، وثقة بما عند الله، وكل هذه ضرورية لاستكمال معنى الإيمان، فإن الدين بذل وترك من أجل مصلحة الدين، وأمر ونهي، وحب وبغض في الله.
والدعوة كفاح، فلا بدَّ من التكافل في هذا الكفاح وجرائره، ولهذا كان من صفاتهم: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة: ٣].
وكان التكافل بين تلك الصفوة المختارة كاملاً، بحيث لا يبقى لأحد مال متميز كما حدث في أول العهد المدني بهجرة المهاجرين من مكة، ونزولهم على إخوانهم الأنصار في المدينة، فأكرموهم وأضافوهم ابتغاء وجه الله، فلما هدأت حال الأمة، وضعت الأسس الدائمة للإنفاق في الزكاة، فالإنفاق في عمومه سمة من سمات الجماعة المؤمنة المختارة للقيادة بهذه الصفات العالية.
ومن صفاتهم الكريمة: صفة الانتصار من البغي، وعدم الخضوع للظلم، وهذا طبيعي بالنسبة لجماعة أخرجت للناس، لتكون خير أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتغشى أوساط الناس، وممالك الدول، وتهيمن على حياة البشرية بالحق والعدل كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)} [الشورى: ٣٩].