أما حين يكون الصبر والسماحة مع المقدرة استعلاءً لا استخذاءً، وتجملاً لا ذلاً فهو محمود: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٣].
هذه أهم صفات المؤمنين التي ترسم طابعاً مميزاً للجماعة التي تقود البشرية بعد نبيها، وترجو ما عند الله وهو خير وأبقى {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)} [الشورى: ٣٦].
ألا ما أعظم فضل الله على عباده، أية رعاية؟، وأية رحمة؟ وأية مكرمة؟، وأية عناية بهذا الإنسان من الرب الكريم؟.
إن الله تبارك وتعالى العلي الكبير، الغني الحميد، يتلطف فيعنى بهذه الخليقة الضئيلة المسماة بالإنسان، فيوحي إليها الوحي، ويرسل إليها الرسل لإصلاح أمرها، وإنارة طريقها، ورد شاردها، وهي وغيرها أهون على الله من البعوضة على الإنسان حين تقاس إلى ملكه العريض الواسع الذي لا يحيط به سواه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} [الشورى: ٥٢].
فهذا الكتاب العزيز، الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - نور خالص تخالط بشاشته القلوب التي يشاء الله لها أن تهتدي به بما يعلمه من حقيقتها، ومن مخالطة هذا النور لها.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - واسطة لتحقيق مشيئة الله بما يعلمه بما في قلوب عباده، فهو يهدي إلى الصراط المستقيم الذي تلتقي عنده المسالك؛ لأنه الطريق إلى المالك الذي له ما في السموات وما في الأرض، والذي تصير الخلائق كلها إليه وتلتقي عنده، وهو يقضي فيها بأمره.
وهذا النور يهدي إلى طريقه الذي اختار للعباد أن يسيروا فيه .. ليصيروا إليه في النهاية مهتدين طائعين.
وقد وكل الله للقيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة أمانة قيادة البشرية إلى الصراط المستقيم كما قال سبحانه: