فكما أن العبادة أمر الله فكذلك الدعوة أمر الله، وكل منهما يجب أداؤه، فالدين خطوتان:
خطوة للعبادة .. وخطوة للدعوة .. وحركة في إصلاح النفس .. وحركة في إصلاح الغير.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإحسان منه لعباده، ولا يستطيع أحد أن يؤدي شكر هذه النعمة، فإن عمل العبد ينقطع بعد موته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» أخرجه مسلم (١).
ولكن الداعي إلى الله يستمر أجره وثوابه ما بقي وتناسل من دعاهم إلى الله إلى يوم القيامة، ولذلك قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)} [فصلت: ٣٣].
وكثير من المسلمين اليوم تركوا الدعوة إلى الله؛ لأنهم صاروا قانعين بالعمل الصالح، فنشأ من ذلك أن ضعف إيمانهم، ثم قلت طاعاتهم، وكثرت معاصيهم، حتى خرج بعضهم من الدين بالكلية، وتمرغ في الشهوات، وأعرض عن أوامر الله وشرعه، كما قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩].
والفرق بيننا وبين الصحابة ر ضي الله عنهم، أن الصحابة لما آمنوا رأوا الدين غالياً جداً، ورأوا الدنيا رخيصة جداً، فقدموا أوامر الدين على أوامر الكسب، واشتغلوا بزيادة الإيمان والأعمال الصالحة، فغزوا ورزقهم الله، وفتح لهم