وبين لنا أن مالك الهداية هو الله وحده لا شريك له بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)} [القصص: ٥٦].
فالله يهدي من يعلم أنه يصلح للهداية، ويعرف قدرها، ويعمل بها، ويشكر ربه عليها، ويضل من يعلم أنه لا يصلح للهداية، ولا يعرف قدرها، ولا يقوم بواجبها.
فهو سبحانه العليم الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، ويعطي العطاء لمن هو أهله، ويعلم أنه يستحقه ويقدره: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)} [القلم: ٧].
والهداية بيد الله، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ولكن الله جعلنا سبباً للهداية كما جعل الشمس سبباً للإنارة، ووكلنا بنشر الدين في العالم كما وكل السحب بحمل المياه وتوزيعها في العالم، والله يفعل ما يشاء بقدرته ينزل المطر حيث شاء، وينزل الهداية على من يشاء.
وقد تحصل الأسباب وتتأخر النتائج ليعلم العباد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الأمور كلها بيده، وأنه لا رب سواه، ولا إله غيره، وأن ما سواه ليس بيده شيء.
فأبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده كل أسباب الهداية ولم يهتد؛ لأن عنده العصبية لمحمد لا لدين محمد، وبلال - رضي الله عنه - عنده العصبية لدين محمد لا لمحمد ولذلك قبله الله ولم يقبل أبا طالب، وآسية زوج فرعون عندها كل أسباب الغواية واهتدت، لكمال رغبتها في الدين، وكراهيتها لحياة السلاطين الظالمين.
واليهود عندهم كل أسباب الأمن من الحصون والآلات والأموال فلم تمنعهم، وأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - عنده كل أسباب الخوف في بيته بمكة، وفي الغار، وفي طريق