للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجرة، ومع ذلك لم يخف؛ لأن الله معه، فأنجاه وأعزه وأظهر دينه ومكن له في الأرض، وخذل المعاندين له.

ونصر الله رسوله والمؤمنين معه في بدر مع قلة العدد والعدة.

وخذل المشركين والكفار في بدر مع كثرة العدد والعدة.

فإن قيل: إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الله الهداية؟.

فجوابه: أن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه كما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي إلى تفاصيله فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة.

ومن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام، وفوق هذا الإنسان محتاج إلى سؤال الهداية يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، الذي هو طريق الجنة، فمن سار عليه في الدنيا، هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة.

والهدى من الله كثير في الآفاق والأنفس، لكن لا يبصره إلا بصير، ولا يعمل به إلا اليسير.

ألا ترى أن نجوم السماء يبصرها البصراء، ولا يهتدي بها إلا العلماء.

والله تبارك وتعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأوضح السبل، وأزاح العلل، ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول، وهذا عدله.

ووفق من شاء من عباده بمزيد عناية، وأراد سبحانه من نفسه أن يعينه ويوفقه فهذا فضله، وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله، وخلى بينه وبين نفسه، ولم يرد سبحانه أن يوفقه، فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله:

إما جزاء منه للعبد على إعراضه عنه، وعدم ذكره وشكره، فهو أهل أن يخذله ويتخلى عنه.

أو لا يشاء له الهداية ابتداء لما يعلم منه أنه لا يعرف قدر نعمة الهداية، والله يعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>