للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. متفق عليه (١).

وهذه المقامات من الإيمان عجز عنها أكثر الخلق فاحتاجوا إلى الخوارق والآيات المشهودة بالحس فآمن كثير منهم عليها، وأضعف الناس إيماناً من كان إيمانه صادراً عن المظهر أو النصر، وأضعف من هؤلاء إيماناً من إيمانه إيمان العادة والمنشأ فهذا دين العوائد، وهو أضعف شيء.

وخواص الأمة ولبابها لما شهدت عقولهم حسن هذا الدين وكماله وجلالته، وشهدت قبح ما خالفه ونقصه، خالط الإيمان به ومحبته بشاشة قلوبهم، وهذا الضرب من الناس هم الذين استقرت أقدامهم على الإيمان، وهم أبعد الناس عن الارتداد عنه، وأحقهم بالثبات عليه إلى يوم لقاء الله.

والأمانة التي أبت السموات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان، هي أمانة الهداية والمعرفة، والإيمان بالله عن قصد وإرادة، وجهد واتجاه.

فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به، والاهتداء إليه، ومعرفته وعبادته وطاعته، بغير جهد منه، ولا قصد، ولا إرادة، ولا اتجاه.

والإنسان وحده هو الذي وكله الله إلى فطرته، وإلى عقله، وإلى معرفته، وإلى إرادته، وإلى إتجاهه، وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله بعون من الله.

وهذه أمانة حملها، وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من الأمانات كما قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].

وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨].

والهداية: هي العلم بالحق مع قصده، وإيثاره على غيره، فالمهتدي هو العامل


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣) واللفظ له، ومسلم برقم (١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>