وأعلاها أن يكون الإنسان معرضاً عما سوى الله، مقبلاً بكليته على ربه ممتثلاً لجميع أوامره، راضياً بقدره، مؤمناً به، مستسلماً له، مقبلاً بكلية قلبه وبدنه وفكره على ربه، بحيث يصير لو أمر بذبح ولده لأطاع كما فعل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بابنه إسماعيل.
ولو أمر بأن ينقاد ليذبحه غيره لأطاع كما فعل إسماعيل - صلى الله عليه وسلم -، ولو أمر بأن يصبر على القتل والشق نصفين في سبيل الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأطاع كما فعل يحيى وزكريا عليهما الصلاة والسلام.
ويصبر على الإحراق بالنار في سبيل إعلاء كلمة الله كما فعل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه مقامات الأنبياء، وهي مقامات عظيمة، وأكثر الناس لا طاقة لهم بذلك، ولا ما دون ذلك، وذلك بسبب ضعف إيمانهم ويقينهم.
ومن اجتهد لإعلاء كلمة الله هداه الله، وهدى به الناس، وبقدر الجهد تنزل الهداية، وإذا قل الجهد أو عدم خرجت الهداية أو ضعفت وقلَّت، فتخرج الهداية أولاً من المعاملات، من التجارة، من المعاشرات، فيتعامل الناس ويتعاشرون بطريقة اليهود والنصارى، ويكتسبون كذلك.
ثم تخرج الهداية من العبادات، ثم ينتهي الدين تدريجياً، فلا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، ويتلى ولكن لا يعمل به، وتظهر في الأمة سنن اليهود والنصارى، وتختفي سنن الدين وأحكامه، ولا يثبت على الإسلام إلا طائفة، من الغرباء.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا» أخرجه مسلم (١).
فإذا جاء جهد الدعوة إلى الله جاءت الهداية أولاً إلى العبادات، ثم ظهرت في