للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين يملكهم في الدنيا والآخرة بالحكمة والخبرة.

فأولى للعباد أن يسلموا له، ويستسلموا لتوجيهه وشرعه، ويفيئوا إلى هداه وحده، ويخرجوا من التيه والضلال إلى نور الهدى والإيمان: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)} [لقمان: ٢٢ - ٢٤].

والله عزَّ وجلَّ هو الذي خلق الخلق، ولو شاء أن يلزمهم الهدى لألزمهم، ولكنه سبحانه خلق الإنسان بهذا الاستعداد للهدى وللضلال، وتركه يختار طريقه، ويلقى جزاء اختياره في حدود المشيئة المطلقة التي لا يقع في الكون إلا ما تجري به، ولكنها لا ترغم إنساناً على الهدى أو الضلال.

وخلق الله الإنسان على هذا النحو لحكمة يعلمها، وليؤدي دوره في هذا الوجود كما قدره الله له باستعداداته وتصرفاته: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} [الأنعام: ١٤٩].

ولو حشر الله كل شيء في هذا الكون يواجه الناس، ويدعوهم إلى الإيمان، فإنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله، والله سبحانه لم يشأ لبعض الناس؛ لأنهم لا يجاهدون في الله ليهديهم إليه، وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس عن طبائع القلوب.

إنه لا ينقص الذين يلجون في الضلال أنه لا توجد أمامهم دلائل وبراهين، إنما الذي ينقصهم آفة في القلب، وعطل في الفطرة، أدى إلى رد الحق.

والهدى جزاء لا يستحقه إلا الذين يتجهون إليه، ويجاهدون في الله من أجل الحصول عليه كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩].

والله وحده علام الغيوب، العليم بما في القلوب، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>