للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)} [الأنعام: ١١١].

فالإيمان والكفر .. والهدى والضلال .. لا تتعلق بالبراهين والأدلة على الحق .. فالحق هو برهان في ذاته .. وله من السلطان على القلب البشري ما يجعله يقبله، ويطمئن إليه، ويرضخ له.

ولكنها المعوقات الأخرى التي تحول بين القلب والحق، وموجبات الإيمان كامنة في القلب ذاته، وفي الحق كذلك بذاته، فيجب أن تتجه المحاولة إذاً إلى ذلك القلب لعلاجه من آفاته ومعوقاته.

ومشيئة الله سبحانه هي المرجع الأخير في أمر الهدى والضلال، فقد اقتضت مشيئة الله أن تبتلي البشر بقدر من حرية الاختيار والتوجه في الابتداء.

وجعل الله سبحانه هذا القدر موضع ابتلاء للبشر وامتحان، فمن استخدمه في الاتجاه القلبي إلى الهدى والتطلع إليه، والرغبة فيه، فقد اقتضت مشيئة الله أن يأخذ بيده ويعينه ويهديه إلى سبيله.

ومن استخدمه في الرغبة عن الهدى، والصدود عن دلائله وموجباته، فقد اقتضت مشيئة الله أن يضله، وأن يبعده، وأن ينساه، وأن يدعه يتخبط في الظلمات.

ومرد الأمر كله إلى الله في النهاية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [الأنعام: ١١٢].

فالأمر كله مقيد بمشيئة الله، هو سبحانه الذي شاء ألا يهديهم؛ لأنهم لم يأخذوا بأسباب الهدى، وهو سبحانه الذي شاء أن يدع لهم هذا القدر من الاختيار على سبيل الابتلاء، وهو سبحانه الذي يهديهم إذا جاهدوا للهدى، وهو الذي يضلهم إذا اختاروا الضلال: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} [التكوير: ٢٦ - ٢٩].

والطائعون والعصاة في قبضة الله سواء، وهم جميعاً تحت قهره وسلطانه سواء،

<<  <  ج: ص:  >  >>