للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم لا يملكون جميعاً أن يحدثوا شيئاً إلا بإذن الله، وفق مشيئته التي جرت بتلك السنن في تصريف العباد، ولكن المؤمنين يطابقون ويجمعون في القدر المتروك لهم للاختيار بين الخضوع القهري، المفروض عليهم في ذوات أنفسهم وفي تكوينهم العضوي، وبين الخضوع الاختياري الذي يلتزمونه بأنفسهم بناء على المعرفة والهدى والاختيار.

وبذلك يعيشون في سلام مع أنفسهم ذاتها؛ لأن الجانب القهري فيها والجانب الاختياري يتبعان ناموساً واحداً ورباً واحداً، فالمؤمنون بالله أعقل العقلاء.

وأما العصاة والكفار فهم مقهورون على اتباع ناموس الله الفطري الذي يقهرهم، ولا يملكون أن يخرجوا عنه في تكوينهم الجسمي، بينما في الجانب الذي ترك لهم الاختيار فيه هم ناشزون على سلطان الله المتمثل في منهجه وشرعه، شاذون عن طاعة الله من بين سائر الخلق.

وهم أشقياء في انفصام شخصيتهم، وهم بعد هذا كله في قبضة الله لا يعجزونه في شيء، ولا يحدثون شيئاً إلا بقدره وإذنه، فالسلطان كله لله، وهم أعجز أن يكون لهم في ذواتهم سلطان، فكيف يكون لهم على المؤمنين سلطان، فلا يؤذون أولياء الله إلا بما شاء الله بإذن الله: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢].

وحواس بعض الناس وجوارحهم مطموسة الاتصال بعقولهم وقلوبهم، فيسمعون ولا يعقلون ما سمعوا .. وينظرون ولا يميزون ما نظروا .. فهي معطلة لا تؤدي حقيقة وظيفتها، فهؤلاء في النار كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} [الأعراف: ١٧٩].

والأسماع والأبصار والعقول بيد الله وحده، ولكن الله سن سنة وترك الخلق لمقتضى السنة، وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول ليهتدوا بها، فإذا هم عطلوها حقت عليهم سنته التي لا تتخلف ولا تحابي أحداً، ولقوا جزاءهم

<<  <  ج: ص:  >  >>