للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدلاً.

فلا يضيق الداعي إذا كذبه الناس وهو يدعوهم إلى الحق، ولا يتألم من العناد الصفيق بعد تكرار البيان والإعلام، فليس إباؤهم عن تقصير منه في الجهد، ولا قصور فيما معه من الحق.

ولكن هؤلاء كالصم الذين لا يسمعون، والعمي الذين لا يبصرون، وما يفتح العيون والآذان إلا الله، فهو شأن خارج عن طبيعة الدعوة، والداعية داخل في اختصاص الله سبحانه وحده.

فكل عبد من عباد الله لا قدرة له خارج مجال العبودية ولو كان رسولاً، فالأمر كله لله الواحد القهار في الدنيا والآخرة، وفي العالم العلوي وفي العالم السفلي: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤].

والله جل جلاله أعلم بعباده من أنفسهم، فهو الذي يحكم على العباد بأن هذا مهتد وهذا ضال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)} [القلم: ٧].

وهو سبحانه الهادي الذي أنزل الهدى، وهو صاحب الحق في وزن الناس به، وتقرير من هو المهتدي، ومن هو الضال: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)} [النجم: ٣٢].

والهداية إلى الإيمان نعمة كبرى بل هي أجل النعم، لا يعرفها إلا من ذاقها، فهي تنشئ في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نوراً بعد الظلمات.

حياة يعيد بها تذوق كل شيء، وتصور كل شيء، بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة، ونوراً يبدو كل شيء تحت أشعته جديداً كما لم يبدُ من قبل قطّ لذلك القلب الحي هو الذي نوره الإيمان كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)} [الأنعام: ١٢٢].

فالقلوب إذا لم يدخلها الإيمان والهدى فهي ميتة مظلمة، فإذا دخل الإيمان في

<<  <  ج: ص:  >  >>