ومن ترك ما تهواه نفسه من الشهوات لله تعالى .. عوضه الله من محبته وعبادته والإنابة إليه ما يفوق لذات الدنيا كلها.
والله عزَّ وجلَّ خلق العالم العلوي والعالم السفلي، وخلق الموت والحياة، وزين الأرض بما عليها للابتلاء والامتحان، ليختبر خلقه أيهم أحسن عملاً.
من يكون عمله موافقاً لمحاب الرب تعالى، فيوافق الغاية التي خلق هو لها، وخلق لأجلها العالم، وهي عبوديته سبحانه المتضمنة لمحبته وطاعته، وامتحن خلقه بين أمره الشرعي وقدره الكوني، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[هود: ٧].
وقال سبحانه:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: ٢].
وهذا الابتلاء هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في حال السراء والضراء، وفي الخير والشر.
والابتلاء بالنعم من الغنى والعافية والجاه والقدرة أعظم الابتلائين، والصبر على طاعة الله أشق الصبرين.
والنعمة بالفقر والمرض وقبض الدنيا وأذى الخلق قد يكون أعظم النعمتين، وفرض الشكر عليها أوجب من الشكر على أضدادها.
فالرب عزَّ وجلَّ يبتلي بنعمه وينعم ببلائه، غير أن الشكر والصبر حالتان لازمتان للعبد في أمر الرب ونهيه، وقضائه وقدره، لا يستغني العبد عنهما طرفة عين.
فالمأمور لا يؤديه العبد إلا بصبر وشكر .. والمحظور لا يترك إلا بصبر وشكر .. وأما المقدور فمتى صبر العبد عليه اندرج شكره في صبره كما يندرج صبر الشاكر في شكره.
والله سبحانه خلق السموات والأرض ليبتلي عباده بأمره ونهيه.