وخلق الموت والحياة ليبتليهم .. فأحياهم ليبتليهم بأمره ونهيه .. وقدر عليهم الموت الذي ينالون به عاقبة ذلك الابتلاء من الثواب والعقاب.
وزين لهم ما على الأرض ليبتليهم به، أيهم يقدم شهوات نفسه على محبوبات ربه وأوامره؟.
وابتلى بعضهم ببعض، وابتلاهم بالنعم والمصائب، فأظهر هذا الابتلاء علمه السابق فيهم موجوداً عياناً بعد أن كان غيباً في علمه.
فابتلى سبحانه أبوي الإنس والجن كلاً منهما بالآخر، فأظهر ابتلاء آدم - صلى الله عليه وسلم - ما علمه منه، وأظهر ابتلاء إبليس ما علمه منه، واستمر هذا الابتلاء إلى يوم القيامة كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٣٥)} [الأنبياء: ٣٥].
والله عزَّ وجلَّ ابتلى عباده بأمرين:
أمر فيه حيلة .. وأمر لا حيلة فيه.
فما فيه حيلة لا يعجز عنه، وما لا حيلة منه لا يجزع منه.
ونعم الله في البلاء الذي يصيب الناس مستورة لا يراها إلا أولو الألباب، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة فليحمد الله إذ لم تكن في دينه .. وإذ لم تكن أعظم منها .. وإذ كانت في الدنيا ولم تكن في الآخرة .. وإذ لم يحرم الرضا بها .. وإذ يرجو الثواب عليها .. وبها تكمل عبودية الصبر .. وينال ثوابها كما قال سبحانه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)} [الزمر: ١٠].
وقد ابتلى الله عزَّ وجلَّ الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين، وهو الشيطان وعساكره من شياطين الإنس والجن، فالحرب سجال بينه وبين القلب الذي هو محل معرفة الله ومحبته وعبوديته.
فولاه الله أمر هذه الحرب مع النفس والشيطان، وأمده بجند من الملائكة لا يفارقونه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد: ١١].
ثم أيده سبحانه بجند آخر من وحيه وكلامه، فأرسل إليه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل عليه كتابه، فازداد قوة إلى قوته، وعدة إلى عدته.