وهو الذي إذا كان مع العبد قبلت أعمال الخير منه، وإذا عدم منه لم يقبل منه صرف ولا عدل، ولا فرض ولا نفل.
وأما الهجرة فهي مفارقة المحبوب المألوف من أجل رضا الله تعالى.
فيترك المهاجر وطنه وأمواله، وأهله وخلانه تقرباً إلى الله، ونصرة لدينه.
وأما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة الأعداء، والسعي التام في نصرة دين الله، وقمع دين الشيطان وعبدة الأوثان، وهو ذروة الأعمال الصالحة، وجزاؤه أفضل الجزاء، وهو السبب الأكبر لتوسيع دائرة الإسلام، وخذلان عباد الأصنام، وأمن المسلمين، ويكون باللسان والسنان.
فمن قام بهذه الثلاثة على مشقتها كان بغيرها أشد قياماً، فجدير بهؤلاء أن يكونوا هم الراجون رحمة الله؛ لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨].
والهجرة كانت قبل فتح مكة، أما بعد فتح مكة فلم تعد هجرة من مكة إلى المدينة؛ لأنها صارت دار إسلام، فمن جاهد في سبيل الله وعمل بدينه كان له حكم الهجرة وكان له ثوابها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» متفق عليه (١).
ويبقى حكم الهجرة سارياً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)} [الحج: ٥٨، ٥٩].
فقد خرج هؤلاء من ديارهم وأموالهم في سبيل الله، مستعدين لكل مصير،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٧٨٣)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٣٥٣).