وضحوا بكل أعراض الحياة ابتغاء رضوان الله، ونصر دينه، فتكفل سبحانه لهم بالعوض الكريم عما فقدوه، وهو الرزق الحسن، وهو رزق أكرم وأجزل من كل ما تركوا.
وقد خرجوا مخرجاً يرضي الله، فتعهد لهم بأن يدخلهم مدخلاً يرضونه، فييسر لهم دخول الديار التي قصدوها، ويفتح لهم البلدان، ويمكنهم من الاستيلاء على أموالها وخيراتها عوضاً عما فقدوه، وهذا ما حصل للمهاجرين السابقين، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فلهم الجنة، والله سبحانه العليم بما وقع عليهم من ظلم ومن أذى، وبما يرضي نفوسهم ويعوضها، العليم بجميع الأمور ظاهرها وباطنها، الحليم الذي يعصيه الخلائق ويبارزونه بالعظائم، وهو لا يعاجلهم بالعقوبة مع كمال قدرته وعلمه، بل يواصل لهم رزقه، ويسدي إليهم فضله، حليم يمهل ثم يوفي الظالم والمظلوم الجزاء الأوفى.
إنه إذا اشتد الأذى على المؤمنين، وفُتنوا في دينهم، ولم يملكوا أن يعبدوا الله، فعليهم أن ينجوا بدينهم بالهجرة إلى أرض الله الواسعة.
وما دامت الأرض كلها لله فأحب بقعة منها هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه، وإظهار شعائر دينه، فليهاجروا إليها: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦)} [العنكبوت: ٥٦].
وكل نفس ذائقة الموت، والله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، فلا داعي للخوف من خطر الهجرة، فالآجال مقدرة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧)} [العنكبوت: ٥٧].
وهؤلاء المهاجرون في سبيل الله فراراً بدينهم مهاجرون إلى الله في أرضه الواسعة، من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وهم عائدون إليه في يوم القيامة، وهم عباده الذين يؤويهم إليه في الدنيا والآخرة، فلماذا الخوف والقلق؟.
ومع هذا فالله الكريم لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده، فإذا فارقوا وطنهم فلهم في الأرض سعة، وإذا فارقوا الدنيا فلهم في الجنة عوض أعظم وأدوم،