فليصبروا على ما ينالهم، وليتوكلوا على الله، ويحسنوا الظن به، فهو مولاهم الذي سيحقق لهم ما وعدهم به في الدنيا والآخرة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩)} [العنكبوت: ٥٨، ٥٩].
ولا داعي كذلك لقلق المهاجرين على الرزق بعد مغادرة الوطن والمال ومجال العمل، وأسباب الرزق المعلومة، فإن رزق الإنسان يطلبه كما يطلبه أجله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)} [العنكبوت: ٦٠].
فالله تبارك وتعالى قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم قويهم وضعيفهم، قادرهم وعاجزهم، فكم من دابة في الأرض، وعلى ظهر الأرض، ضعيفة القوى، ضعيفة العقل، لا تحمل رزقها ولا تدخره، ولا يزال الله يسخر لها الرزق في كل وقت بوقته.
فالله يرزق هؤلاء الدواب وإياكم، فكلكم عيال الله، القائم برزقكم كما قام بخلقكم وتدبيركم، وهو السميع لأقوالكم، ودعائكم، العليم بأحوالكم، فلا تخفى عليه خافية، ولا تهلك دابة من عدم الرزق بسبب أنها خافية عليه.
وكيف يقلق المؤمن على الرزق عند الهجرة، وهو يرى مليارات الدواب تدب على وجه الأرض، وهي لا تحصل رزقها، ولا تجمعه، ولا تحمله، ولا تهتم به، ولا تعرف كيف توفره لنفسها، ولا كيف تحتفظ به لنفسها، ومع هذا فإن الله يرزقها ولا يدعها تموت جوعاً سواء كانت على ظهر الأرض، أو في قعر البحار، أو في أعالي الجبال.
فكذلك الله هو الذي يرزق الناس حيثما كانوا، وإن خيل إليهم أنهم يخلقون رزقهم ويجمعونه، فالله الذي وهبهم وسيلة الرزق وأسبابه، وهذه الهبة ذاتها رزق من الله.
فلا مجال للقلق على الرزق عند الهجرة، فهم عباد الله مهاجرون إلى أرض الله