الواسعة من أجل الله، والله يرزقهم حيث كانوا كما يرزق كل دابة وهي لا تحمل رزقها، ولكن الله يرزقها ولا يدعها.
ولا هجرة بعد الفتح من مكة إلى المدينة لأنها صارت دار إسلام، ولا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة.
وقد وقع في صدر الإسلام هجرتان:
الأولى: هجرة المسلمين إلى الحبشة فراراً من أذى قريش، وفي الحبشة كان لهم إيواء بلا نصرة، فلم ينتشر الدين هناك.
الثانية: هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين من مكة إلى المدينة، وفي المدينة كان الإيواء والنصرة بتهيئة الفرصة للدعوة فانتشر الدين.
والهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب داعي المحبة في قلب العبد.
ومن العجيب أن الإنسان يوسع الكلام في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وفي الهجرة من مكة التي انقطعت بالفتح، وهذه هجرة عارضة، وبما لا تتعلق به في العمر أصلاً.
وأما الهجرة إلى الله ورسوله بالإيمان والأعمال الصالحة، والتي هي واجبة على مدى الأنفاس والأزمان لا يحصل فيها علماً ولا إرادة، وما ذاك إلا للإعراض عما خلق له، والاشتغال بما لا ينجيه وحده عما لا ينجيه غيره.
وهذه حال من ضعفت معرفته بمراتب العلوم والأعمال، وغشيت بصيرته، وانتكس قلبه، فقدم الأدنى على الأعلى، وآثر الفاني الرخيص على الباقي النفيس.
وهذه الحياة الدنيا ليست إلا لهو ولعب .. حين لا ينظر المرء فيها إلى الآخرة .. حين تكون هي الغاية العليا للناس .. حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة .. فلا ينخدع العبد بزينتها ويلهو بلعبها .. وليعمل للحياة الآخرة .. فهي الحياة الفائضة بالحيوية والرضا، والبقاء والخلود، وبكل ألوان النعيم: {وَمَا