ولما رزق الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بالغلام الحليم وهو إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - ابتلاه الله به، ليتبين صفاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكمال محبته لربه وخلته.
فإن إسماعيل لما وهبه الله لإبراهيم أحبه حباً شديداً، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة.
فلما تعلقت شعبة من شعب قلب إبراهيم بابنه إسماعيل، أراد الله أن يصفي وده، ويختبر خلته، فأمره أن يذبح ويقطع بالسكين من زاحم حبه حب ربه كما قال سبحانه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: ١٠٠ - ١٠٢].
فأمْرُ الله تعالى لا بدَّ من تنفيذه، فقال إسماعيل صابراً محتسباً مرضياً لربه، وباراً بوالده: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)} [الصافات: ١٠٢].
فقام إبراهيم ليضجع ابنه إسماعيل للذبح، وسلما لأمر الله، الأب جازم على قتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالاً لأمر ربه، وخوفاً من عقابه.
والابن إسماعيل قد وطن نفسه على الصبر، وهانت عليه نفسه في طاعة ربه، ورضا والده.
وحان وقت التنفيذ، فَتَلَّ إبراهيم ابنه إسماعيل على جبينه ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه لئلا ينظر إبراهيم إلى وجه إسماعيل وقت الذبح فيرحمه ويشفق عليه فلا ينفذ أمر ربه.
وفي تلك الحال الشديدة نادى الله إبراهيم وأخبره بصدقه، وفعل ما أمر به جازماً، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه كما قال سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)} [الصافات: ١٠٣ - ١٠٦].
فلما قدَّم إبراهيم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحم بقي الذبح لا فائدة فيه، فلهذا قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)} [الصافات: ١٠٦، ١٠٧].