للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه القوي، وكل قوة في العالم العلوي والعالم السفلي من قوته.

وبهذه الحقيقة الإيمانية العظمى، والتي رسخت في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم كانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها، وداست بها على كبرياء الجبابرة والطغاة في الأرض، ودكت بها المعاقل والحصون.

لقد استقرت هذه الحقيقة في كل نفس، وعمرت كل قلب مؤمن، قوة الله وحدها هي القوة، وولاية الله وحدها هي الولاية، وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل مهما علا واستطال، ومهما تجبر وطغى، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل والإرهاب، إنها أضعف من العنكبوت وبيتها الواهن: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١].

وإن المؤمنين عامة، والعلماء والدعاة والمجاهدين خاصة، الذين يتعرضون في كل وقت للفتنة والأذى، وللإغراء والإغواء، لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة، ولا ينسوها لحظة وهم يواجهون القوى المختلفة من بين أيديهم ومن خلفهم:

هذه تضربهم وتحاول أن تسحقهم .. وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم، وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله، والقوة كلها لله جميعاً: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)} [البقرة: ١٦٥].

والمؤمن دائماً يسأل ربه ألا يجعله فتنة للكفار، ويسأله مغفرة ذنوبه كما قال خليل الرحمن: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥)} [الممتحنة: ٥].

أي لا تسلط الكفار علينا فيكون في ذلك فتنة لهم، إذ يقولون لو كان الإيمان يحمي أهله ما سلطنا عليهم وقهرناهم، وفتنة لنا بتسلطهم علينا.

وهي شبهة كثيراً ما تحيك في الصدور حين يتمكن الباطل من الحق، ويتسلط الطغاة على أهل الإيمان لحكمة يعلمها الله في فترة من الفترات.

<<  <  ج: ص:  >  >>