والمؤمن يصبر للابتلاء، ولكن هذا لا يمنعه أن يدعو الله ألا يصيبه البلاء الذي يجعله فتنة وشبهة تحيك في الصدور.
ثم يقول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: واغفر لنا، إدراكاً منه لمستوى العبادة التي يستحقها منه ربه، وعجزه ببشريته عن بلوغ المستوى الذي يكافئ به نعم الله وآلاءه، ويمجد جلاله وكبرياءه، فيطلب المغفرة من ربه، ليكون في شعوره وفي طلبه أسوة لمن معه، ولمن يأتي بعده:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الممتحنة: ٤].
والله سبحانه يطمئن رسله وأولياءه أنه سبحانه سيتولى حرب هؤلاء الكفار، ويحذر أعداءه وهم كالهباءة المنثورة التي لا تعني شيئاً أمام جبروت الجبار العظيم القهار قائلاً: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)} [القلم: ٤٤، ٤٥].
إن الجبار القهار يكشف عن خطة الحرب مع هذا المخلوق المعاند الهزيل، الضعيف الصغير.
فهذه سنة الله في الحرب بينه وبين أعدائه المخدوعين، فهو سبحانه يستدرجهم إلى العقوبة، ويمهلهم ويكيد لهم بما شاء.
وبهذا وذلك يخلي الله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأتباعه من المعركة بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل، فهي معركته سبحانه، وهي حربه مع أعدائه التي يتولاها بذاته وتدبيره.
والأمر كذلك في حقيقته مهما بدا أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين دوراً في هذه الحرب أصلاً، إن دورهم حين ييسره الله لهم هو طرف من قدر الله في حربه مع أعدائه.
فهم أداة يفعل الله بها أو لا يفعل، وهو في الحالين فعال لما يريد، وهو في الحالين يتولى المعركة بذاته وفق سنته التي يريد، فنعم المولى ونعم النصير.