وهذا النص نزل والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة والمؤمنون معه قلة لا تقدر على شيء، فكانت فيه الطمأنينة للمستضعفين، والفزع والخوف للمغترين بالقوة والجاه، والمال والبنين.
ثم تغيرت الأحوال والأوضاع في المدينة، وشاء الله أن يكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين دور ظاهر في المعركة.
ولكنه سبحانه هنالك أكد لهم كذلك ذلك القول الذي قاله لهم، وهم في مكة قلة مستضعفون.
فقال لهم وهم منتصرون في بدر: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)} [الأنفال: ١٧].
وقال بعد أن أمدهم بالملائكة في بدر: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦)} [آل عمران: ١٢٦].
وذلك كله ليقر في قلوب المؤمنين هذه الحقيقة، حقيقة أن المعركة معركته سبحانه، وأنه حين يجعل للمؤمنين فيها دوراً، فإنما ذلك ليبليهم منه بلاء حسناً، وليكتب لهم بهذا البلاء أجراً.
أما حقيقة الحرب فهو سبحانه الذي يتولاها، وأما حقيقة النصر فهو الذي يكتبه، وهو سبحانه يجريها بهم وبدونهم، وهم حين يخوضونها أداة لقدرته، ليست هي الأداة الوحيدة في يده.
وهذه حقيقة تسكب الطمأنينة في قلب المؤمن في حالتي قوته وضعفه على السواء، ما دام يخلص قلبه لله، ويتوكل في جهاده على الله.
فقوته ليست هي التي تنصره في معركة الإيمان والكفر، والحق والباطل، إنما هو الله الذي يكفل له النصر بعد قيام العبد بأسبابه التي أمره الله بها.
وضعف العبد لا يهزمه كذلك؛ لأن قوة الله من ورائه، وهي التي تتولى المعركة، وتكفل له النصر، ولكن الله يملي ويستدرج، ويقدر الأمور في مواقيتها وفق