فكان إخراجهم من الجنة تكميلاً لهم، وإتماماً لنعمته عليهم، مع ما في ذلك من تحقيق محبوبات الرب تعالى:
فإنه سبحانه يحب إجابة الدعوات .. وتفريج الكربات .. وإغاثة اللهفات .. ومغفرة الزلات .. وتكفير السيئات .. ودفع البليات .. وإعزاز من يستحق العز .. وإذلال من يستحق الذل .. ونصر المظلوم .. وجبر الكسير .. ورفع خلقه على بعض .. وجعلهم درجات .. ليُعرف قدر فضله وتخصيصه من شاء.
فاقتضى ملكه التام وحمده الكامل أن يخرجهم إلى دار تحصل فيها تلك المحبوبات، وإن كان لكثير منها طرق وأسباب يكرهها كالذنب الذي يصلح بعده الاستغفار، والتوبة التي يحبها الله.
لقد استخلف الله آدم وذريته في الأرض لعمارتها وإصلاحها، واستخدام الكنوز والطاقات المودعة فيها، واستغلال الثروات الظاهرة والمخبوءة فيها، والبلوغ بها إلى الكمال المقدر لها في علم الله.
وقد وضع الله للبشر منهجاً متكاملاً يعملون على وفقه في هذه الأرض، منهجاً يقوم على الإيمان والعمل الصالح، وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصَّل الله هذا المنهج.
وفي هذا المنهج ليست عمارة الأرض، واستغلال ثرواتها، والانتفاع بطاقاتها، هو وحده المقصود، ولكن المقصود هو هذا مع العناية بقلب الإنسان ليبلغ الإنسان كماله المقدر له في هذه الحياة.
فلا ينتكس حيواناً في وسط الحضارة المادية الزاهرة، ولا يهبط إلى الدرك بإنسانيته وهو يرتفع إلى الأوج في استغلال موارد الثروة الظاهرة والمخبوءة.
وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة .. وقد يغلب عليها همج وغزاة .. وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال الأرض وطاقاتها استغلالاً مادياً، ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق، والوراثة الأخيرة هي لعباد الله