الصالحين، الذين يجمعون في حياتهم بين الإيمان، والعمل الصالح، فلا يفترق في كيانهم ولا في حياتهم هذان العنصران، وهذه سنة الله في وراثة الأرض: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦)} [الأنبياء: ١٠٥، ١٠٦].
وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أي أمة من الأمم، فهي الوارثة للأرض في أي مكان وفي أي زمان، ولكن حين يفترق هذان الأمران، فالميزان يتأرجح، والحياة تختل.
وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان، وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح، وإلى عمارة الأرض، والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان.
وجدير بمن كان شأنه أن ينتهي ويمضي، لا يخلد ولا يبقى، ومن سيصير في النهاية إلى من يحاسبه على ما قال وفعل، من كان هذا شأنه جدير به أن يحسن ثواءه القليل، ويترك وراءه الذكر الجميل، ويقدم بين يديه ما ينفعه في مثواه الأخير.
فلن يحمل أحد عن أحد شيئاً، ولا يدفع أحد عن أحد شيئاً: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (٣٩)} [فاطر: ٣٩].
والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة للعبد إذا لم يستيقظ القلب، ويدرك غاية وجوده، ويشعر أن له هدفاً أعلى يليق بالمخلوق الذي كرمه الله، ونفخ فيه من روحه، فأودع في روحه الشوق إلى تحقيق كمال العبودية لربه في حدود طاقته البشرية.
وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض، لا لتلهيه عن ذكر الله، والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ