للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)} [المنافقون: ٩].

فمن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر، ويلهه ذلك عن ذكر الله، فهو الخاسر حقاً، وأول ما يخسره هو هذه السمة، سمة الإنسان الذي كرمه الله، واستخلفه في الأرض، فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنساناً.

ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء مهما يملك من مال ومن أولاد.

وقد بين الله عزَّ وجلَّ أن وظيفة الإنسان في الأرض هي الخلافة، لكنها خلافة مقيدة محددة بالتلقي عن الله، وطاعته وإخلاص العبادة له.

كما بشر الله تعالى داود بقوله: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: ٢٦].

وأمره بقوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: ٢٦].

ونهاه بقوله: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦].

وأنذره بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} [ص: ٢٦].

ثم هي خلافة مسئولة كما قال سبحانه: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧)} [الأعراف: ٦، ٧].

والمسؤولية تشمل الصغير والكبير كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». قال: وَحَسِبْتُ أنْ قَدْ قال: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أبِيه وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه (١).

وما أعظم عناية الله بالإنسان، وما أحسن احتفاءه به، وما أعظم إكرامه له، وإحسانه إليه، وتشريفه على ما سواه.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٨٩٣)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٨٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>