للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا بين الله عزَّ وجلَّ أن العاملين قسمان، ولكل قسم عمل وحكم وجزاء في الدنيا والآخرة:

فالقسم الأول: من قام بما أمره الله به من التوحيد والإيمان، وأدى ما أمر الله به من العبادات المالية كالزكوات والصدقات والنفقات والكفارات، والعبادات البدنية كالصلاة والصوم، والمركبة منهما كالعمرة والحج ونحوهما، واتقى ما نهى الله عنه من المحرمات والمعاصي، وصدق بلا إله إلا الله وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي.

فهذا يسهل الله عليه أمره، ويجعله ميسراً له كل خير، ميسراً له ترك كل شر؛ لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك كما قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧)} [الليل: ٥ - ٧].

وأما القسم الثاني: فهو من بخل بما أمره الله به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، واستغنى عن الله، فترك عبادته وطاعته، ولم ير نفسه محتاجة إلى ربه الذي لا نجاة له إلا بعبادته وطاعته.

وكذب بما أوجب الله على العباد التصديق به من الإيمان، وما يترتب عليه من الأعمال والثواب والجزاء.

فهذا ييسره الله للحالات العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسراً للشر أينما كان، مقيضاً له فعل المعاصي؛ لأنه أتى بأسباب التعسير والهلاك، نسأل الله العافية كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)} [الليل: ٨ - ١٠].

وأخلاق البشر يمكن تغييرها وجرها إلى أن تكون حسنة أو قبيحة، حسب التذكير والوعظ، وحسب الإيمان والكفر، إلا أن بعض النفوس والطباع سريعة القبول والتأثر والتأثير، وبعضها صعب يحتاج إلى معالجة، وبعضها غير قابل.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أصَابَ أرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأنْبَتَتِ الْكَلأ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>