فالله عزَّ وجلَّ إذا علم من العبد أنه مستحق للضلال، فحقت عليه كلمة الله أن يكون من أهل الضلال، لم يكن له بعد ذلك من ولي يهديه من ضلاله، أو ينصره من جراء الضلال الذي قدره الله.
وعدل الله مطلق بين العباد في كل شيء، في العقول وسائر النعم، وفي البشر العاقل والمجنون، والغني والمحروم، والصحيح والكسير.
فإن قال قائل: ما ذنب هؤلاء المجانين والفقراء وأهل الابتلاء أن يكونوا وسيلة إيضاح لغيرهم؟.
قيل: لا شك أن الإنسان حين يرى الأعمى يتذكر فضل الله عليه في أنه أعطاه النظر، وإذا رأى إنساناً أعرج أحس بنعمة الله عليه في رجليه.
إن الله عزَّ وجلَّ جعل هذه الأحوال الشاذة في قلة من البشر، لا تكاد تذكر بالنسبة لعدد البشرية الهائل، إلا أنه سبحانه عوض هؤلاء عما فقدوه، ولا بدَّ أن لكل واحد منهم ميزة عن غيره من الخلق تعوضه عما فقد.
فهؤلاء ينالون من عطف الناس ومعاونتهم ورحمتهم بما لا يناله غيرهم، ولكل منهم نبوغاً لا يتوافر لغيره.
فأكثر الناس حفظاً لما يسمعون هم الذين فقدوا أبصارهم، والدين يحتاج إلى هؤلاء في حفظ القرآن والسنة وأحكام الدين.
والله سبحانه عندما وضع مثل هذا الشذوذ في الكون وضعه بنسبة ضئيلة جداً، ليلتفت الناس على نعمة الله عليهم، ثم بعد ذلك يأتي عون الله فيعوضه من الخير والنبوغ، والعطف الإنساني، ما ييسر له كثيراً من أمور حياته، ويمنحه فرصاً مميزة.