فالآية الأولى تفتح باب التوبة على مصراعيه، وباب المغفرة على سعته.
والثانية تحمل كل فرد تبعة عمله، وعندئذ تنطلق كل نفس حذرة مما تكسب، مطمئنة إلى أنها لا تحاسب إلا على ما تكسب.
والثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البريء.
وبهذه القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح، ولا يدع المجرم يمضي ناجياً إذا ألقى جرمه على من سواه، وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه لمن أراد.
وميزان الثواب والعقاب ليس موكولاً إلى الأماني، إنه يرجع إلى أصل ثابت وسنة لا تتخلف، تستوي أمامه الأمم والأفراد، ولا يخرق لأحد من الناس مهما كان شأنه، فصاحب الحسنة يجزى بالحسنة، وصاحب السوء يجزى بالسوء، ولا محاباة، في هذا ولا مماراة: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤)} [النساء: ١٢٣،١٢٤].
وجميع أوامر الله عزَّ وجلَّ كلها عدل وإحسان إلى الخلق، ولا بدَّ من تعليق قلوب الناس وأنظارهم بهذا العدل، وبذلك الجزاء، لتتعامل مع الله متجردة من كل النوازع المعوقة.
فلا بدَّ من جزاء للمؤمنين من الله على إيمانهم وأعمالهم يشجع ويقوي الإنسان على النهوض بأحكام الدين وأوامره، وعلى الوفاء بالميثاق.
ولا بدَّ أن يختلف مصير الذين كفروا وكذبوا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند الله، وهذا هو العدل الإلهي الذي يجازي كل إنسان بعمله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ