صاحب الحاجة لا يرى إلا قضاءها، فهم لا يبالون بمضرتك إذا أدركوا منك حاجتهم، بل لو كان فيها هلاك دنياك وآخرتك لم يبالوا بذلك.
فما أشد ضلال من تعلق بالخلق من دون الله، حيث أعرض عن عبادة الغني المغني، الذي يملك النفع والضر، وأقبل على عبادة مخلوق مثله ليس بيده من الأمر شيء: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢)} [الحج: ١٢].
وماذا بيد المخلوق؟ .. وماذا يملك المخلوق؟ .. وهو فقير محتاج لا يملك إلا ما أعطاه الله إياه، فهو قاسم لا معطي، وضره أقرب من نفعه، فهل هناك أجهل وأضل ممن تعلق بمخلوق مثله، أو دونه، أو أكبر منه، وخافه ورجاه؟ وهل يليق بالمخلوق أن:
إن السعيد الرابح من أرضى الله بسخط الناس، ولم يرضهم بسخط الله، وأمات خوفهم ورجاءهم وحبهم من قلبه، وأحيا حب الله وخوفه ورجاءه فيه: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)} [يونس: ١٠٥، ١٠٦].
فالخلق كلهم لا يقدر أحد منهم أن يدفع عنك مضرة البتة، ولا يجلب لك منفعة البتة إلا بإذن الله ومشيئته وقضائه وقدره، فهو سبحانه الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)} [يونس: ١٠٧].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس رضي الله عنهما: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ