إحسان دقيق أو جليل وصل إليه منه، فإذا شكوته فإنما تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
وإذا عرف العبد ذلك، وعرف سبب بلائه ومصيبته، استحى من نفسه إن لم يستح من الله أن يشكو أحداً من خلقه، أو يرى مصيبته وآفته من غيره كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠].
كل هذه المخلوقات لإظهار ذاتها محتاجة إلى أمر الله في وجودها .. ومحتاجة لأمر الله في بقائها .. فكذلك لإظهار صفاتها من النفع والضر محتاجة إلى أمر الله.
فهي كالأواني الفارغة إن جاءها أمر الله بالنفع نفعت، وإن جاءها أمر الله بالضر ضرت بإذن الله، وكالعبيد ينتظرون أوامر سيدهم ليقوموا بالخدمة.
فجميع المخلوقات في العالم العلوي والعالم السفلي إنما تعمل وتتحرك بأوامر الله الكونية، وأوامره الشرعية، فالخلق خلقه، والأمر أمره وحده لا شريك له: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].
وجميع الأنبياء والرسل استعملوا الأشياء باليقين على الله عزَّ وجلَّ، وعلى أوامره، لا على ذات الأشياء كما قال هود - صلى الله عليه وسلم -: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)} [هود: ٥٦].
فالأمر كله بيد الله، وليس بأيدي الرسل وللأنبياء ولا لغيرهم من المخلوقات شيء من الأمر والنفع والضر، فكل مخلوق، وكل رسول، وكل عبد، فقير مدبر لا يأتيه خير إلا من الله، ولا يدفع عنه الشر إلا الله، ولا يحصل على شيء من العلم إلا ما علمه الله، ولا يأخذ شيئاً من الرزق إلا ما رزقه الله: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا