فاقتضى ذلك النفسان آثاراً ظهرت في هذه الدار كانت دليلاً عليها وعبرة، تذكرة تذكر بنار جهنم، ومنفعة للعباد كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣)} [الواقعة: ٧١ - ٧٣].
فالله سبحانه وتعالى أشهد خلقه في هذه الدار ما أعده لأوليائه وما أعده لأعدائه في دار القرار.
وأخرج إلى هذه الدار من آثار رحمته وعقوبته ما هو عبرة ودلالة على ما في الآخرة من خير وشر ونعيم وعذاب.
وجعل هذه العقوبات والآلام المحن والبلايا سياطاً يسوق بها عباده المؤمنين، فإذا رأوها حذروا كل الحذر، واستدلوا بها على ما في نار جهنم من المكروهات والعقوبات.
وكان وجودها في هذه الدار وإشهادهم إياها، وامتحانهم باليسير منها، رحمة منه بهم، واحساناً إليهم، وتذكرة وتنبيهاً لهم.
ولما كانت هذه الدار ممزوجاً خيرها بشرها، ونعيمها بعذابها، وراحتها بعذابها، اقتضت رحمة أرحم الراحمين، وحكمة أحكم الحاكمين أن خَلَّص خيرها من شرها، ونعيمها من عذابها، وخصه بدار أخرى، هي دار الخيرات المحضة، ودار النعيم والسرور المحض، وهي الجنة دار السلام.
فكتب سبحانه على دار الدنيا حكم الامتزاج والاختلاط، وخلط فيها بين الفريقين، وابتلى بعضهم ببعض، وجعل بعضهم لبعض فتنة، حكمة بالغة بهرت العقول: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٢٦٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٦١٧).