للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَصِيرًا (٢٠)} [الفرقان: ٢٠].

فقام بهذا الاختلاط سوق العبودية كما يحبه الله ويرضاه، ولم تكن تقوم عبوديته التي يحبها ويرضاها إلا على هذا الوجه.

بل العبد الواحد جمع فيه سبحانه بين أسباب الخير والشر، وسلط بعضه على بعض، ليستخرج منه ما يحبه ويرضاه من العبودية التي لا تحصل إلا بذلك.

فلما حصلت الحكمة المطلوبة من هذا الامتزاج والاختلاط أعقبه سبحانه بالتمييز والتخليص، فميز بينهما بخلق دارين ومحلين، وجعل لكل دار ما يناسبها، وأسكن فيها من يناسبها.

وخلق سبحانه المؤمنين المتقين المخلِّطين لرحمته .. وخلق أعداءه المشركين والكافرين لنقمته .. وخلق المخلِّطين للأمرين.

فهؤلاء أهل الرحمة، وهؤلاء أهل النقمة، وهؤلاء أهل النقمة والرحمة، وخلق قسماً آخر لا يستحقون ثواباً ولا عقاباً.

ورتب سبحانه على كل قسم من هذه الأقسام حكمه اللائق به، وأظهر فيه حكمته الباهرة، ليعلم العباد كمال قدرته وحكمته، وأنه يخلق ما يشاء ويختار من خلقه من يصلح للاختبار والابتلاء، وأنه يضع ثوابه موضعه، ويضع عقابه موضعه، ويجمع بينهما في المحل المقتضي لذلك.

ولا يظلم سبحانه أحداً، ولا يبخسه شيئاً من حقه، ولا يعاقبه بغير جنايته.

بل يجازي على الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة، ويعاقب على السيئة بمثلها ويعفو عن كثير.

هذا مع ما في هذا الابتلاء والامتحان من الحكم النافعة للعبيد أنفسهم من استخراج شكرهم وصبرهم .. وتوكلهم وجهادهم .. وخوفهم ورجائهم .. واستخراج كمالاتهم الكامنة في أنفسهم من القوة إلى الفعل.

ودفع سبحانه الأسباب بعضها ببعض .. وكسر كل شيء بمقابله لتظهر عليه آثار القهر .. وسمات الضعف والعجز .. ويتيقن العبد أن القهار لا يكون إلا واحداً

<<  <  ج: ص:  >  >>