أهلكهم الله بالماء كقوم نوح وفرعون وقومه .. ومنهم من أهلكه الله بالريح الصرصر العاتية كقوم عاد .. ومنهم من أهلكه الله بالصيحة كقوم ثمود .. ومنهم من أهلكه الله بالنار التي أمطرتهم كقوم مدين .. ومنهم من أهلكه الله بالحجارة المصنوعة في جهنم وقلب ديارهم عليهم كقوم لوط .. ومنهم من خسف الله به وبداره الأرض كقارون .. ومنهم من قتله الله بأضعف خلقه البعوض كنمرود: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)} [العنكبوت: ٤٠].
وقد جعل الله الجزاء على الأعمال في الآخرة لا في الدنيا؛ لأن العبد لو جوزي في الدنيا، وأعطى الله النعم والعافية لأهل الإيمان .. وأعطى الفقر والأمراض والمصائب والعذاب للكفار وأهل السيئات في الدنيا؛ لاهتدى الناس جميعاً بالطبع، وآمنوا جبراً وكرهاً.
وهذا الإيمان والاهتداء لا يقبل عند الله، فالإيمان الجبري ليس مقصوداً عند الله كما قال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)} [المائدة: ٤٨].
فالذين آمنوا بالله وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح لهم جنات النعيم كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)} [لقمان: ٨ - ٩].
ألا ما أعظم فضل الرب على عباده، لقد أوجب على نفسه الإحسان إليهم جزاء إحسانهم لأنفسهم لا له سبحانه، وهو الغني عن الجميع كما قال سبحانه: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦)} [العنكبوت: ٦].
والنعيم الكامل بلا منغصات يكون للمؤمنين يوم القيامة، وهو غاية من غايات الخلق والإعادة، إنه قمة الكمال البشري الذي يمكن أن تصل إليه البشرية.