والبشرية لا يمكن أن تصل إلى شيء من هذا في هذه الأرض، وفي هذه الحياة الدنيا المشوبة بالقلق والكدر، والتي لا تخلو فيها لذة من غصة إلا لذة الإيمان بالله الخالصة، وهذه قلما تخلص لبشر.
ولو لم يكن في هذه الحياة الدنيا إلا الشعور بنهاية نعيمها، لكان هذا وحده ناقصاً منها، وحائلاً دون كمالها.
فالبشرية لا يمكن أن تصل في هذه الأرض إلى أعلى الدرجات المقدرة لها، وهي التخلص من النقص والضعف، والاستمتاع بلا كدر ولا خوف من الفوت، ولا قلق من الانتهاء.
بل هذا كله تبلغه في الجنة، وما فيها من النعيم الواسع الشامل الكامل، وهناك يبلغ المهتدون من البشرية الذين اتبعوا سنة الحياة الصحيحة التي شرعها الله لعباده، هناك يبلغون في الجنة إلى أعلى مراتب البشرية: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧].
أما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله، فهؤلاء لم يسيروا في طريق الكمال البشري، بل جانبوه وأعرضوا عنه.
وهذا يقتضي حسب السنة الإلهية التي لا تتخلف ألا يصلوا إلى مرتبة الكمال؛ لأنهم جانبوا طريق الكمال، فلم يبق إلا أن يلقوا عاقبة انحرافهم كما يلقى المريض عاقبة انحرافه وإعراضه عن أوامر وتعليمات الصحة الجسدية، هذا يلقاه مرضاً وضعفاً، وأولئك يلقونه تردياً وانتكاساً، وغصصاً بلا لذائذ في نار جهنم.