وعذاب الله يستحقه المسيء بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة، وعدم إرادة العلم بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها.
فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد.
فأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله عنه التعذيب حتى تقوم الحجة بالعلم به.
وقيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة دون أخرى.
كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً.
وأفعال الله عزَّ وجلَّ تابعة لحكمته فهو الفعال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل؛ لكمال حكمته وعلمه، ووضعه الأشياء مواضعها.
ليس في أفعاله سبحانه خلل ولا عبث ولا فساد يُسأل عنه كما يُسأل المخلوق، فهو الفعال لما يريد، ولكنه لا يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة كما قال سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣].
والمؤمنون الأبرار تكون قلوبهم في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيم البتة، بل إن التفاوت الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة، وهذا أمر لا يصدق به إلا من باشر قلبه وذاق حلاوته كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار: ١٣ - ١٤].
فالنعيم والجحيم ليس في الآخرة فقط، بل في الدور الثلاث:
دار الدنيا .. ودار البرزخ .. ودار القرار.
وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ .. وهل العذاب إلا عذاب القلب؟.
وأي عذاب أشد من إعراض العبد عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله؟.
وكل شيء تعلق به الإنسان وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب، فكل