للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار:

يعذب به قبل حصوله حتى يحصل .. فإذا حصل عذب به بالخوف من سلبه وفواته .. فإذا سلبه اشتد عذابه عليه.

فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.

وأما في البرزخ فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجى عوده بحجاب عن الله .. وألم الحسرة التي تقطع الأكباد.

فالهمّ والغمّ والحزن والحسرة تعمل في نفوسهم كما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم، بل عملها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر في نار جهنم.

فقلوب أهل الكفر والبدع والمعاصي في جحيم قبل الجحيم الأكبر، وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر، لكن تمام وكمال النعيم والعذاب إنما هو في الدار الآخرة، وفي البرزخ دون ذلك، وفي هذه الدار دون ما في البرزخ.

قال تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤)} ... [الرعد: ٣٤].

وقال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧)} [الطور: ٤٥ - ٤٧].

وقد جعل الله تبارك وتعالى للطاعات والحسنات آثاراً محبوبة لذيذة طيبة، ولذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة.

وجعل سبحانه للمعاصي والسيئات آلاماً وآثاراً مكروهة تربي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة.

وقد جرت سنة الله أن كل من خرج عن شيء منه لله، حفظه الله عليه، أو أعاضه الله ما هو أجل منه.

فمن آثر الألم العاجل على الوصال الحرام أعقبه ذلك في الدنيا المسرة التامة،

<<  <  ج: ص:  >  >>