للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدلوا إلى الأمراء وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم.

وأعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم فلم يروها منكراً، وجاءتهم دولة أخرى تقوم فيها البدع مقام السنن .. والنفس مقام العقل .. والهوى مكان الهدى .. والضلال مقام الرشد .. والمنكر مقام المعروف .. والجهل مكان العلم .. والباطل مقام الحق .. والرياء مقام الإخلاص .. والظلم مقام العدل .. والظلام مقام النور.

فحينذاك بطن الأرض خير من ظهرها، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

وما ضيع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلي بتضييع السنن، وما ضيع أحد سنة من السنن إلا يوشك أن يبتلي بالبدع.

والله عزيز حكيم عليم، إذا منع الناس الزكاة، وحرموا المساكين، حبس الله عنهم الغيث، وابتلاهم بالقحط.

فلما منعوا الحق عاقبهم الله بمنع نزول الغيث.

ومن صرف الناس عن الهدى والإيمان صرف الله قلبه عن الهدى والإيمان، فصدهم الله عنه كما صدوا عباده عنه، صداً بصد، ومنعاً بمنع: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣)} [النساء: ١٢٣].

وإذا جار القوي على الضعيف، ولم يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه، سلط الله العدو عليهم ففعل بهم كفعلهم بضعفائهم.

فسبحان من بهرت حكمته العقول، وملكت القلوب.

وكفر ساعة يوجب عقاب الأبد في النار؛ لأن الكافر كان على عزم أنه لو عاش أبداً لبقي على ذلك الاعتقاد أبداً، فلما كان ذلك العزم مؤبداً عوقب بعقاب الأبد، والله عليم بذات الصدور.

أما المسلم المذنب، فإنه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب فلا جرم كانت عقوبته منقطعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>