عليه شقاوته، أقام عليه حجة عدله، وعاقبه بذنبه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} [البقرة: ٢٢٢].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأيِسَ مِنْهَا، فَأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ! أنْتَ عَبْدِي وَأنَا رَبُّكَ أخْطَأ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» متفق عليه (١).
والله جل جلاله له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، ولكل اسم من أسمائه أثر من الآثار في الخلق والأمر.
فالخالق يقتضي مخلوقاً .. والرازق يقتضي مرزوقاً .. والغفار يقتضي مغفوراً له .. والتواب يقتضي مذنباً يتوب عليه .. والحليم يقتضي سفيهاً يحلم عليه .. وهكذا.
وليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي العبد من الذنوب عوفي من موجباتها.
فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح.
وعلامة سعادة العبد أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها، وبالتوبة منها، والله يتولى حفظه ونصرته والدفع عنه.
وما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب منه.
ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي، فِي أمْرِي وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ
(١) متفق عليه، اخرجه البخاري برقم (٦٣٠٨)، ومسلم برقم (٢٧٤٧) واللفظ له.