الثانية: تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، ويحب أن يبقى على حاله من جهل، أو فقر، أو ضعف، أو شتات قلبه عن الله، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب.
فهذا كله حسد على شيء غير مقدر، والأول حسد على شيء مقدر، وكلاهما حاسد عدو نعم الله وعدو عباده، ممقوت عند الله وعند الناس، لا يسود أبداً، فإن الناس لا يسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم.
الثالثة: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير تمني أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، وهو محمود إن تمنى ما فيه خير من نعم يستعين بها على طاعة الله، وينفع بها الناس، وأعمال صالحة يكسب بها الأجر وينال عليها الثواب في الآخرة، وهذا قريب من المنافسة في الخيرات.
وقد قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} [المطففين: ٢٦].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (١).
فهذا حسد غبطة الحامل لصاحبه عليه شرف نفسه، وحبها خصال الخير، والتشبه بأهلها، والدخول في جملتهم، وأن يكون من سباقهم وعليتهم، فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسارعة والمسابقة في هذا العمل الصالح، مع محبته لمن يغبطه، وتمني دوام نعمة الله عليه.
والحسد المذموم من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويسبب العداوة والبغضاء، وقطع صلة الأرحام، والفرقة بين الناس.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٣)، ومسلم برقم (٨١٦) واللفظ له.