للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند التمكن من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه، أو عجز عن التشفي منه، رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوبه، ولطم نفسه، أو سقط على الأرض، أو كسر ما بيده، ونحو ذلك مما هو واقع.

وأما أثره في القلب على المغضوب عليه فالحقد عليه، والحسد له، وإضمار السوء، والشماتة بالمساءات، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر، وهتك الستر، وغير ذلك من القبائح.

فهذه مضار الغضب المفرط.

وأما مضار الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للمحارم والزوجة، واحتمال الذل من الأخساء، وعدم الغيرة على الحرام.

وأما الاعتدال: فالمحمود من الغضب هو الغضب الذي ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده، وهو الوسط بين الطرفين.

فمن مال غضبه إلى الفتور، حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله، فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه.

ومن رقا غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور، واقتحام الفواحش، فينبغي أن يعالج نفسه ليُنْقِص من سَوْرة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم، وهو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، فإن عجز عنه فليطلب القرب منه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» متفق عليه (١).

فليس مَنْ عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله، ولكن بعض الشر أهون من بعض، وبعض الخير أرفع من بعض.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦١١٤)، ومسلم برقم (٢٦٠٩) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>