والإنسان إذا أُخذ منه محبوبه غضب لا محالة، وإذا قُصد بمكروه غضب لا محالة، فمن قُصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب، وكذلك إذا أُخذ منه ثوبه أو ماله أو طعامه فلا بد أن يغضب.
فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها، ومن غضبٍ على من يتعرض لها.
والطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا من القلب، وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها.
والأسباب المهيجة للغضب هي:
الزهو .. والعُجب .. والمزاح .. والهزل .. والهزء .. والتعيير .. والمماراة .. والغدر .. وشدة الحرص على فضول المال والجاه، ونحو ذلك من الأخلاق الرديئة المذمومة شرعاً، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب، وتزال هذه الأسباب بأضدادها:
فيميت الإنسان الزهو بالتواضع .. والعجب بمعرفة ما في النفس من النقص .. والفخر بأنك من جنس عبدك .. وتزيل المزاح بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر.
وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة.
وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس، وبصيانة النفس عن أن يُستهزأ بك .. والتعيير يزال بالحذر من القول القبيح، وصيانة النفس عن مر الجواب.
وأما شدة الحرص فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلباً لعز الاستغناء، وترفعاً عن ذل الحاجة.
وإذا عرف الإنسان غوائل هذه الأخلاق الرديئة رغبت النفس عنها، ونفرت عن قبحها، فإذا واظب على مباشرة أضدادها مدة مديدة صارت بالعادة مألوفة هينة على النفس، فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت من هذه الرذائل،