ويشعر المسلم وهو يخوض هذه المعارك مع هواه وشهواته .. وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم .. وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم .. يشعر وهو يخوض هذه المعارك كلها أنه إنما يخوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية؛ لأن عدوه فيها مصر ماض في طريقه، وأن الجهاد من ثَمَّ ماض إلى يوم القيامة في كل صوره ومجالاته:
فلا يقعد المسلم عن جهاد عدوه الشيطان، فهو ماض في إغوائه وإضلاله، وساع في جر الناس إلى جهنم بكل ما يغضب الله من كفر وشرك، وبدعة ومعصية: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩)} ... [النساء: ١١٨ - ١١٩].
فالمشركون إنما يعبدون صورة الأوثان والأصنام، وفي الحقيقة إنما يعبدون الشيطان الذي زينها لهم وغرهم بها، وهو عدوهم الذي يريد إهلاكهم بكل ما يقدر عليه.
وكما أبعده الله من رحمته ولعنه فهو يسعى في إبعاد العباد من رحمة الله، وجرهم إلى عقوبة الله كما قال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦)} [فاطر: ٦].
وقد وقع ما ظنه الشيطان بالناس فَتَبِعوه كلهم إلا القليل كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)} [سبأ: ٢٠].
فأضلهم عن العلم الإلهي .. والعمل الصالح .. وزين لهم ما هم فيه من